تأتي ذكرى اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية في هذا العام في ظروف مختلفة عن سابقاتها وتغيرات كبيرة نشهدها في الداخل والخارج، حيث شهد هذا العام تولي خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم بعد وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله في شهر ربيع الأول من العام الحالي، وما تلى ذلك من تغييرات وزارية وقرارات ملكية تعنى بصياغة مستقبل البلاد والتيسير على المواطنين والمقيمين كثيرا من أمور حياتهم، كما تحيط بنا العديد من الظروف الخارجية باستمرار أزمة الشعب السوري وزيادة معاناته وتشريد الملايين منهم، وكذلك انطلاق عاصفة الحزم لإعادة الشرعية في اليمن الشقيق، بالإضافة إلى ما يشهده العالم من تذبذب كبير في الاقتصاد وأسعار النفط وغيرها.
ولعل الكثير من الأحداث الخارجية تثبت للمواطن وللعالم ما تتمتع به الدولة السعودية من استقرار وثبات في المبادئ، وما تمتلكه من ترسانة عسكرية وقوات مدربة، قادرة على حماية مقدساتها وبلدها والوقوف مع الشرعية الدولة والمؤازرة في الدفاع عن الإسلام والمسلمين ونصرة المظلومين، وما تتمتع به السياسة السعودية من بعد النظر للقضايا الإسلامية والعربية، ويدلل على ذلك حرص المملكة على استضافة المهجرين من سوريا واليمن ومن قبلهم إخواننا من بورما وإتاحة الفرصة لهم للعيش في المملكة ومعاملتهم معاملة المواطن، حيث تستضيف المملكة أكثر من أربعة ملايين من هذه الجنسيات، وإتاحة أكثر من مائة الف مقعد في التعليم لأبنائهم وبناتهم، كما أسهمت المملكة بأكثر من مليار دولار في دعم مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان وتركيا ليبقى اللاجئون قريبا من وطنهم وسرعة عودتهم إلى بلادهم عند انتهاء الأزمة واستتباب الأمن، بينما نجد البلاد الأوربية تتحاصص في استقبال أقل من ربع مليون من اللاجئين السوريين، فحفظك الله يا وطني شجرة مثمرة وظلا وارفًا لكل مستجير.
والمتتبع لمسيرة المملكة يلحظ بكل وضوح ثبات السياسة الخارجية للمملكة وحرصها على وحدة الصف والدفاع عن القضايا الإسلامية والأماكن المقدسة منذ تأسيس الدولة على يد المغفور له الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وحتى وقتنا الحاضر.
وفي الداخل شهدت المملكة وتشهد نهضة غير مسبوقة في تاريخ الشعوب من خلال الاستثمار في بناء الإنسان السعودي؛ حيث تكاد تتلاشى نسبة الأمية في المجتمع وينتظم أكثر من ثلث المواطنين في التعليم بجميع مراحله، وتكاد لا تخلو محافظة في المملكة من مؤسسة للتعليم العالي المتخصص، كما تضخ الجامعات السعودية وبرنامج الابتعاث الخارجي أكثر من 150 ألف خريج في العام في شتى العلوم والمعارف مسلحين بالعلم ومستعدين للإسهام في بناء الوطن واستمرار عجلة التنمية، كما تشهد المملكة حركة دؤوبة في استكمال البنية التحتية في المدن الجامعية والطرق والمياه والصحة وغيرها من المشاريع الضخمة التي تنفق عليها الدولة بسخاء.
واليوم الوطني يأتي ليذكرنا عاما بعد عام بما ننعم به من وحدة وتوحيد، وبما أنعم الله به علينا خلال الثمانية عقود الماضية وما جنيناه من نتاج هذه الوحدة المباركة، ومسيرة التوحيد التي ضحى من أجلها الأجداد والآباء، وصانها رجال أوفياء، ويجب علينا أن نتكاتف للمحافظة على هذه المنجزات ونسهم في تقويتها والدفاع عنها ونغرس في عقول أبنائنا وبناتنا حب الوطن وأهمية الحفاظ عليه والتفاني في خدمته ورفعته.
رحم الله المؤسس ورجاله ورحم الله من عمل على صيانة واستمرار هذا الكيان من ملوك وأمراء وقادة ومصلحين أفرادا وجماعات وأعان الله القائمين للمحافظة على وحدة وطننا، وأبارك بهذه المناسبة الوطن ملكا وشعبا وحفظك الله يا وطني ظلا وارفا ومجدًا يتجدد.
وكيل جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز للدراسات العليا والبحث العلمي
الأستاذ الدكتور/ عبدالعزيز بن عبدالله الحامد