لا يمكن للفكر المارق أن يكون بنَّاءً أو حضاريًّا؛ لأنه يتجه خلاف مسيرة الحياة ونظامها، ويقلب الحقائق رأسًا على عقب، ومن ذلك أن بيوت الله تعالى التي يقصدها المصلون في أمن وسكينة قد تحولت لدى أرباب الفكر المارق من شذاذ الآفاق إلى أماكن مستهدفة بالتفجير والترويع وإراقة الدماء الزكية دون وازع أو ضمير.
ومع سوء الجريمة وبشاعتها إلا أنها تبلغ أقصى درجات القباحة باستهدافها لإخواننا وأبنائنا رجال أمن الطوارئ وهم يرابطون على حدود بلادنا الغالية، يذودون عنها وعن كافة أبناء الوطن وبناته بسواعدهم المباركة، وصدورهم العامرة بالإخلاص والوفاء. هؤلاء الرجال الذين خارت قوى الضلال عن مواجهتهم، فسلكوا سبيل الغدر، وتسلل مجرمهم تحت ستار العبادة والصلاة ليهلك منتحرًا، ويبوء بإثم نفسه وآثام الشهداء والجرحى من رجال أمن الطوارئ الذين سالت دماؤهم في رحاب المسجد.
إن هذا الفكر المارق لا يجيد سوى التخريب، ولا يتقن غير التدمير، ومن تتبع أحوالهم الظاهرة عبر التاريخ سيجد مصداق ذلك، فهم قتلة الصحابة، وقتلة الآمنين في بيوت الله. ومثل هؤلاء سرعان ما تلفظهم المجتمعات، وتتضافر الجهود الخيرة والعاقلة على مجابهتهم فكرًا وسلوكًا، فلا يلبثون إلا قليلاً، ثم يهلكون غير مأسوف عليهم.
لقد أوجدنا الله تعالى على وجه الأرض، وفي هذه البلاد الطيب ثراها، لنتعلم ونُعلِّم، ونبني ونُشَيِّد، ويترك السابق لللاحق حضارة زاهرة، وخبرات وتجارب حياتية تسهم في استدامة الحراك الحضاري والمعرفي، وُجدنا لنحيا في رحاب مجتمع متعايش ومتجانس، يتعاون أفراده فيما بينهم، ويتسابقون جميعًا لرسم الابتسامة على الشفاه، ويكنون في الوقت ذاته المحبة والولاء والطاعة لولاة أمرهم.
هذه هي الصورة المشرقة التي ألِفْناها ونشأنا عليها، و هي الصورة التي تبعث على العطاء والبذل والتضحية، وتقدم للعالم كله نموذجًا للمواطنة الحقّة الصادقة، وللمجتمع الحريص على أمن بلاده، والمتمسك بمكتسبات وطنه وإنجازاته التاريخية والحضارية، في ظل قيادة رشيدة، تعمل جاهدة لما فيه خير الوطن والمواطن.
نعم، هذه هي المملكة العربية السعودية، وستبقي كذلك بإذن الله محفوظة آمنة، يسودها الاستقرار، ويعمها الرخاء. وأما أصحاب الفكر المارق وكل ضال ومنحرف، فسيذوق وبال أمره، وسينقلب عليه شره، ويغدو عبرة لمن يعتبر، ولن يغني عنهم تلبسهم بالإسلام شيئًا، فالإسلام بريء من أفكارهم وأفعالهم.
مدير جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز
د. عبدالرحمن بن محمد العاصمي